الهجرة بين الحقيقة والاسطورة

 

الهجرة النبوية الشريفة هي الحدث الأهم والاعظم في الإسلام، لأنها الفارق بين الاضطهاد والأمان، وبين الظلم والعدل، وبين الخوف والاطمئنان، وبين الغربة والدولة، فبهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة انتقلت الدعوة الإسلامية من مرحلة القلق والخوف والشك إلى مرحلة تأسيس الدولة وإقامة أركانها، حيث قام صلى الله عليه وسلم بتأسيس الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، واصبح للمسلمين دولة تحميهم بدلًا من وجودهم كأقلية في مكة.

ولأهمية الهجرة في الدعوة الإسلامية تناولها العديد من المؤرخين والكُتاب والمؤلفين ونقل أحاديثها كبار المحدثين، وحاول الجميع تحري الدقة والصدق فيما تناوله، ورغم ذلك وصلتنا العديد من الأحداث غير الحقيقة والأحاديث الضعيفة ومنها أحداث شهيرة ارتبطت في أذهاننا بالهجرة وساهمت في ترسيخها الأعمال الدرامية، وفي مقالنا هذا سنتحدث عن خمسة أساطير شهيرة ارتبطت بالهجرة ارتباطًا وثيقًا.

اولًا: متى حدثت الهجرة؟

إذا طرحت هذا السؤال، سيأتي الجواب بديهيًا من الكثيرين أنها حدثت في شهر محرم، وذلك لأن التقويم الهجري يبدأ بشهر محرم، ولكن الحقيقة أن الهجرة حدثت في شهر ربيع الأول، وهذا ما اتفق عليه المؤرخون ورواة الأحاديث، واستغرقت الهجرة أسبوعين كاملين منذ خروج الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة بصحبة سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى وصولهما على المدينة، ولا يوجد خلاف بين العلماء والمؤرخين على شهر ربيع الأول، انما اختلفوا على اليوم والأرجح أنه اليوم الثاني عشر من ربيع الاول.

ويبقى السؤال لماذا بدأ التقويم الهجري بشهر محرم وليس بشهر ربيع الأول؟ اختلف المؤرخون حول السبب الرئيسي لبدأ السنة الهجرية بشهر محرم، وأرجح الأقوال ذكرت سببين وهما:

  • بدأ التخطيط للهجرة منذ شهر محرم لذلك اختاره الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه بداية السنة الهجرية.
  • يأتي شهر محرم بعد موسم الحج لذلك غهو مناسب ليكون بداية جديدة.

ثانيًا: كم كان سن علي بن أبي طالب -كرم الله وجه- وقت الهجرة؟

تعلمنا في المدارس ومن الكبار أن علي بن أبي طالب كرم الله وجه هو أشجع الصبيان لأنه نام مكان الرسول صلى الله عليه وسلم وهو صبي يوم الهجرة، وتناقلنا هذه القصة فيما بيننا لنظهر شجاعة الصبي الصغير، وكانت تروى لنا هذه القصة كمضرب مثل لشجاعة الصغار وكيف أن لهم دور في الحياة، وفي الحقيقة فأن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه كان فعلًا مضرب مثل للشجاعة والإقدام منذ دخوله الإسلام في سن العاشرة، ولكن لا ينطبق ذلك على أحداث الهجرة، لأن سَنْهُ كان يقارب الثالثة والعشرون وقت الهجرة، حيث أنه أسلم في بداية الدعوة وعمرهُ عشر سنوات، وحدثت الهجرة في السنة الثالثة عشرة من الدعوة، أي أنه أصبح شابًا يبلغ من العمر 23 سنة.

ثالثًا: هل لدغ سيدنا أبو بكر –رضي الله عنه- من الحية في غار ثور؟

تقول الأسطورة أن أبو بكر الصديق رضي الله عنه سد الفتحات والجحور في الغار، وبعد دخولهما الغار وجد جحر تخرج منه حية وكان الرسول صلى الله عليه وسلم نائمًا على فخذ أبو بكر رضي الله عنه، فوضع أبو بكر قدمه على الجحر فلدغته الحية، ولكن ما حدث هو ما رَوَاهُ عُمر بن الخطاب رَضِيَ الله عنه حين سُئل هل هو أفضل أم ابو بكر رضي الله عنه فقال ان ليلة قضاها ابو بكر في الهجري خير من عمر وآل عمر وذكر ايضًا عن الغار ما يلي:

"فلما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر: مكانك يا رسول الله حتى استبرئ لك الغار، فدخل فستبرأه، حتى إذا كان ذكر أنه لم يستبرئ الحجرة فقال: مكانك يا رسول الله حتى استبرئ فدخل فاستبرأ ثم قال: انزل يا رسول الله فنزل".

رابعًا: هل نسج العنكبوت خيوطه على باب الغار؟

تعد رواية العنكبوت والحمامتين رمزًا للهجرة، واسطورة مرتبطة بها، ولكن هذا الحادث لم يثبت، رغم أن الكثير من المؤرخين ذكروه ولكن لم ينقلوا الحادث برواية واحدة متفق عليها، وتعد أشهر الروايات ما ذَكَرَهُ ابن كَثِير في السيرة وفي البداية والنهاية عن الإمام احمد وذَكَرَ فقط العنكبوت ولم يذكر الحمائم، وقال عنها ابن كثير أنها أفضل ما قيل في هذا الشأن ولكن لم يقل بصحتها او ضعفها، فيما ضعفها الحافظ في التقريب والشيخ الألباني.

خامسًا: اسطورة طلع البدر علينا:

لا تُذكر الهجرة دون ذِكر انشودة طلع البدر علينا، والمشهور عن الهجرة أن النساء والصبيان استقبلوا الرسول صلى الله عليه وسلم وهم ينشدوا هذه الابيات، ولكن هذه الرواية ضعفها الكثير من العلماء ومنهم ابن القيم والحافظ بن حجر والألباني، كما أن ثنيات الوداع تقع شمال المدينة في الطريق الشام، والرسول صلى الله عليه وسلم قادم من مكة في الجنوب، ويُذكر في الانشودة اسم المدينة رغم أن اسمها القديم كان يَثرب ولم تُسمى المدينة إلا بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إليها.

*

إرسال تعليق (0)
أحدث أقدم