ما قبل الدولار:
ارتبط ظهور الدولار ونشأته بتاريخ نشأة وتأسيس الولايات المتحدة الإمريكية، ففي منتصف القرن السابع عشر الميلادي هاجر بعض البريطانيين المنشفين دينيًا عن الكنيسة البروتستانتية إلى العالم الجديد، وحملوا معهم بعض العملات البريطانية والذهب، وسرعان ما نفدت أموالهم في العالم الجديد، وأصبح الحصول على الطعام عملية شاقة، فلجئ هؤلاء المهاجرون إلى المقايضة، ففي البداية قايضوا بعض الأصداف البحرية مع السكان الأصليين وحصلوا مقابلها على الطعام، ثم انتشر مبدا المقايضة ليشمل سلع أخرى كالتبغ والشاى، ولكن هذه السلع كانت مذبذبة القيمة، وفي ظل منع الحكومة البريطانية تداول عملاتها في العالم الجديدة، ومع تدهور علاقتها بالمستوطنين بسبب فرض الضرائب الباهظة، لجئ المستوطنون للعملات الأسبانية التي ظلت مستخدمة لأوائل القرن التاسع عشر.
نشأة الدولار:
وفي عام 1776م أعلن المستوطنون الاستقلال عن بريطانيا العظمى لتشتعل حرب السنوات السبع التي انتهت عام 1783م بإنتصار المستوطنون وإعلان استقلال ثلاث عشرة ولاية لتشكل الولايات المتحدة الإمريكية، ومع إعلان الاستقلال أصبحت الدولة الناشئة في حاجة لعملة خاصة بها، ولكن إصدار العملة تأخر لعام 1792م حيث صدر الدولار الإمريكي وخرج للنور، ولم يكن الدولار ورقي كما هو اليوم بل صدر بثلاثة أشكال وهي: الدولار الذهبي والدولار الفضي والدولار النحاسي.
الدولار الورقي:
استمر التعامل بالدولار المعدني حتى عام 1861م حيث اشتعلت الحرب الأهلية الأمريكية، فتعرضت الحكومة الاتحادية بقيادة ابراهام لنكولن لأزمات مالية طاحنة بسبب تكلفة الحرب الباهظة، فأصدر لنكولن قرارًا بطباعة الدولار الورقي ذا الألوان الخضراء والسوداء في عام 1862م، ومع انتهاء الحرب كان مجموع ما تم طباعته حوالي 861 مليون دولار ورقي، وكانت هذه الدولارات بدون غطاء ذهبي لها، إي انه كان لا يوجد ما يوازي قيمتها ذهبًا، فتعرض الدولار بعض الحرب لإنهيار كبير، مما جعل الكونجرس الإمريكي يصدر القوانين بمعاقبة من يرفض التعامل بالدولار، وصل سعر الدولار الأمريكي لأقل قيمة له في عام 1879م حيث فقد جزء كبير من قيمته مما أدى لانكماش الاقتصاد الأمريكي، مما جعل الحكومة الأمريكية تعيد تغطيته بالذهب، فاصبح بمقدور من يملك الدولار استبداله بالذهب مما أدى لانتعاش الاقتصاد الأمريكي.
الدولار والحربين العالميتين:
عقب الحرب العالمية الأولى حدثت الأزمة الاقتصادية الكبرى المعروفة باسم الكساد العظيم عام 1929م مما جعل الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت يصدر قرارًا بإلغاء تغطية الدولار بالذهب عام 1933م، ولكنه سرعان ما اصدر قرارًا بإعادة تغطية بالذهب في العام التالي، ليستمر الدولار يكتسب قوته من الذهب حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.
هيمنة الدولار:
فقدت الدول الأوروبية قوتها الاقتصادية خلال الحرب العالمية الثانية، مما جعل عملاتها غير مغطاة بالذهب، في حين حافظت الولايات المتحدة الأمريكية على تغطية الدولار بالذهب، لذلك وضعت الولايات المتحدة خططها لنشأة نظام اقتصادي ومالي جديد تكون هي وعملتها الدولار على قمته.
ففي عام 1944م دعت الولايات المتحدة الامريكية دول العالم لعقد اتفاقية بريتون وودز Bretton Woods والتي وقعت عليها 44 دولة وكان أهم ما جاء بها هو اعتبار الدولار الإمريكي المعيار الرئيسي لقيمة باقي العملات خاصة وأنه العملة الوحيدة المغطاة بالذهب أنذاك، وكانت الولايات المتحدة تمتلك حوالي 75 % من ذهب العالم وقتها، وبهذه الاتفاقية نجحت أمريكا في فرض نظامها المالي الجديد.
صدمة نيكسون وبيع الوهم:
استمر العمل باتفاقية بريتون وودز Bretton Woods على أساس واضح وهو عدم طباعة الولايات المتحدة الأمريكية لأي دولارات دون رصيد من الذهب يغطيها، وتلتزم الولايات المتحدة باستبدال هذه الدولارات بالذهب في اي وقت على أن يكون سعر أونصة الذهب 35 دولار أمريكي، ولكن حدث ما لم يكن متوقع إذ اشتعلت الحرب الفتنامية عام 1965م حيث تورطت أمريكا في حرب خاسرة دمرت اقتصادها ووضعتها في موقف اقتصادي صعب، فكان الحل في طباعة دولارات بدون غطاء ذهبي وبدون علم أحد، مما أدى لزيادة الدولارات في العالم.
مع زيادة الدولارات المطبوعة شعرت فرنسا بالقلق، فقرر الرئيس الفرنسي شارل ديجول تفعيل اتفاقية بريتون وودز Bretton Woods وطالب الولايات المتحدة باستبدال الدولارات التي في حوزة فرنسا بالذهب عام 1971م، ولكنه لم يتلقى رد واضح من الولايات المتحدة الأمريكية على طلبه، وبعد مماطلة لمدة عامين خرج الرئيس الأمريكي نيسكون على شاشات التلفاز في عام 1973م ليعلن للعالم أجمع فك ارتباط الدولار بالذهب، لتصبح دول العالم أمام ثلاث خيارات وهي:
- رفض القرار الأمريكي وإلزام الولايات المتحدة الأمريكية باستبدال الدولارات بالذهب بالقوة، وبالطبع هو خيار غير مجدي نظرًا لقوة الولايات المتحدة العسكرية التي تفوق أي دولة أخرى.
- فك ارتباط العملات الأخرى بالدولار، وهذا الخيار غير مجدي أيضًا لأنه سيؤدي لاضطراب الاسواق المالية وهبوط في قيمة العملات وأولها الدولار ذاته.
- القبول بالدولار كمعيار لقيمة العملات دون ارتباطه بالذهب، وهو الاتجاه التي صارت فيه دول العالم ليصبح الدولار هو المتحكم في باقي العملات، وهو ذاته بلا قيمة حقيقة حيث فقد 40 ضعف قيمته خلال عشر سنوات فقط، وأصبح سعر الذهب حرًا بعيدًا عن الدولار.